فصل: سورة القارعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة العاديات:

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
العاديات: الخيل التي تجري والفعلُ عدا يعدو عَدْواً جرى... ضَبحا: الضبح صوت انفاس الخيل. فالمورياتِ قَدحا: أورى النارَ اوقَدها، فالموريات هي الخيلُ حين تُسرع فتضرب الحجارةَ بحوافرها فتقدَحُ النارُ منها. وَقدح النارَ من الزند: أخرجها. المُغيرات: واحدها مغيرة، والفعل أغار على العدو إذا هجم عليه بغتة. فأثرنَ به نقعا: فهيّجن الغبارَ، والنقع: الغبار. فوسَطْن به جمعا: توسّطت الخيل في جَمع العدو.. اخترقْته. لَكنود: كفور، كَنَدَ النعمةَ كفرها. بُعثر ما في القبور: فُتحت القبور وقلبت حتى يخرج من فيها، يقال بعثرتُ المتاعَ: إذا جعلتُ أسفلَه أعلاه.
{والعاديات ضَبْحاً فالموريات قَدْحاً فالمغيرات صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}.
أقسَم الله تعالى بالخَيْل المسرِعة التي يُسمع لأنفاسها صوتٌ شديد، والتي توري النارَ من الحجارة بحوافرِها، وتُغِيرُ صباحاً على العدوّ لِتَبْغَتَه وتفاجئَه. وهذه عادةٌ معروفة في الغارات. وعندما تُغير الخيل مسرعةً تُثير الغبارَ الكثيف حتى لا تكادُ ُرى. وبعد ذلك تتوسَّط جموعَ الأعداء فتثيرُ فيهم الفَزَعَ والرعب.
لقد أقسم الله تعالى بالخيل التي عدَّد صفاتِها آنفاً أن الإنسانَ لِنَعَمِ ربِّه لَجَحود.
{وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ}
إنه لَشاهد على جحوده وكُفره للنِعم التي لا تُحصى، كما أنه شديدُ الحُبّ للمال حريصٌ على جمعه من أي طريق. وبعد أن عدّد هذه الخصالَ بيّن لذلك الإنسان الغافل عن واقعِه أنه سيترك كل ما جَمَعَه، وسيقفُ يومَ القيامة للحساب، حيث تُبْرَزُ جميعُ حسناته وسيئاته ولا يستطيع ان يُنكرَ منها شيئا.
{أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}
أجَهِلَ كلَّ هذا فلا يعلَم إذا نُشر كلُّ من في القبور، وجُمعت أعمالُهم- بأن الله يعلم ما يُسِرّون وما يُعلنون، لا تخفى عليه منهم خافية؟ إن المرجعَ إلى الله.. وهو خبيرٌ بالأعمالِ والأسرار.

.سورة القارعة:

.تفسير الآيات (1- 11):

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}
القارعة: القايمة. المبثوث: المنتشر، المتفرق. العهن: الصوف. المنفوش: المتطاير المنتشر. ثقلت موازينه: رجحت حسناته وكثرت. خفت موازينه: قلّت حسناته وساءت اعماله. هاوية: من أسماء جهنم.
{القارعة مَا القارعة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة؟}
يُهوّلُ الله تعالى في هذه الآيات من وصف يومِ القيامة التي تَقرَعُ قلوبَ الناس بما فيها من أحداثٍ وشدائد، {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة؟} وأَيُّ شيء أَعلمك يا محمدُ ما شأنُ القارعة في هَولها على النفوس! إنها أكبرُ من أن يُحيط بها الإدراك، أو يُلمَّ بها التصوُّر.
{يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش}
في ذلك اليوم العصيبِ ينتشر الناسُ كالفَراش المتفرق في الفضاءِ، لا يَلوي أحدٌ على احد، حيارى هائمين على وُجوههم لا يدرون ما يفعلون، ولا ماذا يُراد بهم. وتكون الجبالُ كالصُّوف الملوَّنِ المتطايرِ في الهواء.
ثم بعد أن ذَكَرَ بعضَ أهوال ذلك اليوم بيَّن حالَ الناس فيه وانقسامَهم إلى سعيدٍ وشقيّ، فقال: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}
فأما الذي كَثُرت حسناتُه بسبب أعماله الصالحة فلا خوفَ عليه، لقد نجا، فهو في عِيشةٍ يرضاها وتطيبُ نفسه بها.
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}
وأما من قلَّت حسناتُه وكثُرت سيئاتُه بسبب سوءِ أعماله فمصيرُه جهنّمُ يُهوي فيها إلى أسفلِ الدَرَكات.
ومعنى أُمه هاوية: إن مرجعَه الذي يأوي إليه مَهواةٌ سحيقة في جهنّم، والتعبيرُ في غاية القسوة.
ثم جاءَ بعد ذلك استفهامٌ كبير {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}
ما أعْلَمَكَ يا محمدُ ما هي الهاوية! يَا لهُ من استفهام! إنها {نَارٌ حَامِيَةٌ} هي جهنّم التي لا تبلُغُ حرارتَها نارٌ مهما سُعِّرَت وأُلقي فيها من وقود.. أعاذَنا الله منها...

.سورة التكاثر:

.تفسير الآيات (1- 8):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
ألهاكم: شَغَلكم، واللهو ما يشغل الإنسان ويُضيع وقته. التكاثُر: جمع الموال والتفاخر والتباهي بحطام الدنيا. تكاثَرَ المالُ: كثر، وتكاثر القومُ: تفاخروا بكثرة العدد والمال. زرتم المقابر: مِتُّم ودخلتم القبور لوقتٍ محدَّد كأنه زيارة. علمَ اليقين: العلم الحقيقي. عَيْنَ اليقين: اليقين هو المؤكد الذي لا شكّ فيه.
{أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر}
أيّها الناس، لقد شَغَلكم الانهماكُ في جَمْعِ الأموالِ، والتفاخرُ والتّباهي بحُطامِ الدنيا ومتاعها، وكثرةُ الأَشياع والأولاد.. حتى نَسِيتم أنكم ستموتون وتُدفَنون في القبور، وغفلتُم عن أنكم إنما تمكثون فيها وقتاً محدَّداً ثم تُخْرَجون منها يومَ القيامة إلى الحسابِ والجزاء.
ولذلك جاء التعبيرُ بقوله {حتى زُرْتُمُ المقابر} يعني أن دُخولكم في القبرِ أشبهُ ما يكونُ بالزِيارة، ثم منه تُخْرَجون.
ويفهم كثيرٌ من الناس من قوله {حتى زُرْتُمُ المقابر} انه حضٌّ على زيارة القبور، وليس هذا هو المقصود.
وفي صحيح مسلم: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ألهاكُم التكاثُر، ثم قال: يقولُ ابنُ آدم مالي ومالُك. يا ابنَ آدم، ليس لك من مالِكَ إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبْلَيتَ، أو تصدَّقتَ فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركُه للناس.
وبعد تنبيه الناس لأن يستيقظوا ويعملوا صالحاً- جاء التوكيدُ على أن الناس سيُبْعَثون يوم القيامة، ويرون بأعينِهم جهنّم. وسوف يُسالون عن كل ما تنعّموا به في الدنيا فيقول: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين}.
لقد كرّر كلمة كَلا ثلاثَ مرّات، وفي هذا زجرٌ وتهديد حتى يتنبّه الناسُ ويستيقظوا، فتنبَّهوا أيها الناسُ وسارِعوا إلى الخيرات، اعملوا لربّكم ودِينكم وأُمتكم ومجتمعكم.. فسوف تَعْلَمون العِلم الذي لا شَكّ فيه يومَ تَرَوْنَ الجحيم.
وأكد بأنهم سيرونها عِياناً ويقينا.
اما كيف تتمّ هذه الرؤية، وكيف يكون ذلك اليوم.. فكلُّ هذا من الغيبِ الّذي يختلف عن واقِعنا وحياتنا الدنيا.
ثم أكّد تعالى أنّ الناسَ سيُسألون ويحاسَبون.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} ثَم لتُسْألُنَّ يا بني آدمَ عن كل ما أُوتيتم وما تمتّعتم به: من أين نِلْتُموه؟ وفِيمَ أنفقْتُموه؟ وهل أدّيتم ما وجَبَ عليكم؟ واللهُ أعلمُ بكل ذلك، لكنّه يَسألهم ليحاسِبَ الناسَ، فيجزي من شَكَرَ ويُعذّب من كفَر.

.قراءات:

قرأ ابن عامر والكسائي: {لتُرَوُنَّ} بضم التاء. والباقون: بفتح التاء.

.سورة العصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
العصر: الدهر، والزمان يُنسَب إلى دولة أو ملك.. يقال العصر العباسي وعصر الملك فلان، والعصر الجيولوجي الخ، والوقت في آخر النهار إلى احمرار الشمس.
الخُسر والخسران: الضلال، والهلاك، وذهاب ما يملكه الانسان. الحق: خلاف الباطل، والعدل، وما يجب للفرد والجماعة، وحقوق الله: ما يجب علينا نحوه.
الصبر: تحمُّل المكروه دون جزع، واحتمالُ المشقّة في سبيل الله، والغير، والعملِ الطيب.
{والعصر}
لقد اقسم اللهُ تعالى بالعصْرِ لما فيه من عجائبَ وعبَرٍ تدلّ على قدرة الله وحكمته وما فيه من سرّاء وضَرّاء، وصحة وسُقْم، وراحة وتعب، وحزنٍ وفزع.. إلى غير ذلك. وقال بعض المفسّرين: أقسَم بآخرِ النهار، كما أقسَم بالضحى...
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} إن الإنسان في ضلال وهلاكٍ ما دام يفضّل العاجلةَ على الاجلة، وتَغْلِبُ عليه الأهواءُ والشهوات.
ثم بيّن الله تعالى بوضوح أن الإنسان المعتدِلَ الذي يقوم بما عليه من الواجباتِ ليس من الخَاسِرين، فاستثناه بقوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر}
إن الناس في ضلال وهلاكٍ إلا الذين آمنوا بالله، وعملوا الأعمالَ الصالحة في سبيل الله ومجتمعهم، وصدقوا في إيمانهم، وأوصى بعضُهم بعضاً بالتمسّك بالحق والصبرِ على المشاق.
هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الفضائل الأربع:
الايمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر- يعملون الخير ويدعون إلى العمل به. والصبرُ فضيلة ليس لها مثيل. وقد ذُكر الصبر في القرآن الكريم أكثر من ستين مرة. {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43].
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، إلى آياتٍ لا حصر لها... اللهم اجعلنا في زمرة الصابرين العاملين الّذين تواصَوا بالحق وتواصَوا بالصبر.

.سورة الهمزة:

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
الويل: العذاب، وحلول الشر، لفظٌ يستعمل في الذم. الهُمَزة: الذي يغتاب الناس ويطعن في أعراضهم. اللُّمزة: الذي يَعيب الناس وينال منهم بالإشارة والحرككات. جَمَع مالاً وعدّده: الذي همُّه جمعُ المال وكنزه. لَيُنبذنَّ: النبذ الطرح مع الاهانة والتحقير. الحُطَمة: نار جهنم لأنها تحطم كل ما يلقى فيها. مؤصدة: مطبَقة عليهم، مغلقة.
{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}
الهلاك والعذابُ لمن اعتاد ان يَعيب الناس بالكلام أو بالإشارة، ويحاولَ أن يَسْخَر منهم ويحطَّ من اقدارهم. فهذه الآية الكريمة ترسم صورةً لئيمةً حقيرة من صوَرِ النفوس البشرية حين تخلو من المروءة، وتَعْرَى من الإيمان.
ولذلك نهى الإسلامُ عن الهَمْزِ والغمز واللمز والعيب في مواضعَ شتى، لأن من قواعدِ الإسلام تهذيبَ الأخلاق ورفْعَ المستوى الخلُقي في المجتمع الاسلامي.
وقد رُوي أن عدداً من زعماء قريش كانوا يَلْمِزون النبيَّ الكريم وأصحابه، منهم الأخنسُ ابنُ شريق، والوليدُ بن المغيرة، وأميّةُ بن خلف وغيرهُم، فنزلت هذه السورة الكريمة لتؤدّبهم وتهذِّبَ الأخلاق.
{الذى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}
ثم بيّن الله تعالى أن هذا اللئيم الذي جمع المالَ الكثير وأحصاه وعدَّده مرّاتٍ ومرّاتٍ شغفاً به وحبّاً له، ولم ينفقْ منه في سبيل الخير- يظُنّ أن ما جَمَعَ قد حَفِظ له حياتَه التي هو فيها.. فهو لا يفارقُها إلى حياةٍ أخرى يعاقَبُ فيها على ما كسب من الأعمال السيئة.
{كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة}
هنا يأتي التهديدُ الكبير لهؤلاء المجرمين بأن الله تعالى سوف يُلقيهم في جهنم. وهل تعلم يا محمد ما هي الحُطَمة؟ إنها: {نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة}
هي نار جهنم المُسْتعرة الملتهبة، الّتي تطّلع على الأفئدة التي كان ينبعثُ منها الهمز واللمز، وتكمنُ فيها السُّخريةُ والكبرياء والغرور.. فتحرقُها وتحرقُ صاحِبَها.
ثم بين الله تعالى ان هذه النارَ مُغْلَقَةٌ عليهم في عَمَدٍ ممدّدة، مطوَّلة مُحْكَمة على أبوابها. وهو تصويرٌ لشدّة الإطباق وإحكامه، وتأكيدٌ لليأسِ من الخَلاص.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وخلف: {جمّع} بتشديد الميم. والباقون {جمع} بغير تشديد. وقرأ حفص وأبو عمرو وحمزة: {مؤصدة} بالهمزة. والباقون {موصدة} بغير همزة وقرأ حفص: {في عَمَد} بفتح العين والميم. والباقون {في عُمُد} بضم العين والميم.

.سورة الفيل:

.تفسير الآيات (1- 5):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
أصحاب الفيل: أبرهة الحبشيّ وجيشُه الذين جاءوا لهدم الكعبة. الكيد: المكر، والخدعة. تضليل: ضلّله تضليلا: أبطلَ مكره، وجعل كيده ضائعا. وضلّ يضِل ضَلالاً وضلالة: خفيَ وغاب، وهلك. ومنه {وَلاَ الضآلين} [الفاتحة: 7] في سورة الفاتحة.
أبابيل: جماعات، وهو جمعٌ لا واحد له من لفظه. سِجّيل: طين متحجّر.
العصف: حطام التبن، وورق الزرع. مأكول: أكلت الدواب بعضَه، وتناثر بعضُه الآخر.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل}
حادثُ الفيل معروفٌ متواتر لدى العرب. وقد جعلوه مبدأَ تاريخٍ يؤرخون به فيقولون: وُلدِ عامَ الفيل. وحدث كذا عامَ الفيل.. وكان سنةَ خمسمائة وسبعين ميلادية. وفي ذلك العام وُلدِ النبيُّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ألم تعلم يا محمدُ ماذا صنع اللهُ العظيمُ بأصحابِ الفيلِ، جيشِ أبرهةَ، الّذين جاءوا لهدْم الكعبة.
{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}
ألم يُهلكْهم الله ويجعلْ مكرهم باطلاً وسعيَهم خاسراً، حيث دمّرهم وأفناهم!
ثم فصّل كيفية إبطال كيدهم وكيف أهلكهم فقال: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ}.
لقد سلّط عليهم من جنوده طيراً أتتهم جماعاتٍ متتابعة، وأحاطتْ بهم من كلّ ناحية، وجعلت تقذفهم بحجارةٍ من طينٍ متحجّر كانت تخترقهم كالرّصاص وتقتل من تصيبُه حالا. وهكذا جعلهم كورقِ الشجرِ الذي عَصَفَتْ به الريح.
وهذه معجزةٌ عظيمة تدلّ على حُرمة البيت الحرام. وقد فسّر بعض العلماء أن الطيرَ الأبابيلَ هو وباءُ الجدري والحصبة، وما اشبه ذلك. وهذا غيرُ وارد. فلقد نزلت هذه السورة في مكة، وكان كثيرٌ من رجالات قريش ممن شهدوا الحادثَ لا يزالون أحياء عند نزول هذه السورة ولم يعترضوا عليها، فهي من خوارق العادات والمعجِزات المتقدمة بين يدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وهكذا حفظ اللهُ البيتَ الحرام، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].